الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: [ومن لم يطالب بالشفعة في وقت علمه بالبيع فلا شفعة له]. الصحيح في المذهب أن حق الشفعة على الفور, إن طالب بها ساعة يعلم بالبيع وإلا بطلت نص عليه أحمد في رواية أبي طالب فقال: الشفعة بالمواثبة ساعة يعلم وهذا قول ابن شبرمة, والبتي والأوزاعي وأبي حنيفة, والعنبري والشافعي في أحد قوليه وحكي عن أحمد رواية ثانية أن الشفعة على التراخي لا تسقط, ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا من عفو أو مطالبة بقسمة, ونحو ذلك وهذا قول مالك وقول الشافعي إلا أن مالكا قال: تنقطع بمضي سنة وعنه: بمضي مدة يعلم أنه تارك لها لأن هذا الخيار لا ضرر في تراخيه, فلم يسقط بالتأخير كحق القصاص وبيان عدم الضرر أن النفع للمشتري باستغلال المبيع وإن أحدث فيه عمارة من غراس أو بناء, فله قيمته وحكي عن ابن أبي ليلى والثوري أن الخيار مقدر بثلاثة أيام وهو قول للشافعي لأن الثلاث حد بها خيار الشرط, فصلحت حدا لهذا الخيار والله أعلم ولنا ما روى ابن البيلماني عن أبيه, عن عمر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (الشفعة كحل العقال) وفي لفظ أنه قال: (الشفعة كنشطة العقال إن قيدت ثبتت, وإن تركت فاللوم على من تركها) وروى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أنه قال: الشفعة لمن واثبها) رواه الفقهاء في كتبهم ولأنه خيار لدفع الضرر عن المال فكان على الفور, كخيار الرد بالعيب ولأن إثباته على التراخي يضر المشتري لكونه لا يستقر ملكه على المبيع ويمنعه من التصرف بعمارة خشية أخذه منه, ولا يندفع عنه الضرر بدفع قيمته لأن خسارتها في الغالب أكثر من قيمتها مع تعب قلبه وبدنه فيها والتحديد بثلاثة أيام تحكم لا دليل عليه والأصل المقيس عليه ممنوع, ثم هو باطل بخيار الرد بالعيب وإذا تقرر هذا فقال ابن حامد: يتقدر الخيار بالمجلس وهو قول أبي حنيفة فمتى طالب في مجلس العلم ثبتت الشفعة وإن طال لأن المجلس كله في حكم حالة العقد, بدليل أن القبض فيه لما يشترط فيه القبض كالقبض حالة العقد وظاهر كلام الخرقي أنه لا يتقدر بالمجلس بل متى بادر فطالب عقيب علمه, وإلا بطلت شفعته وهذا ظاهر كلام أحمد وقول الشافعي لما ذكرنا من الخبر والمعنى وما ذكروه يبطل بخيار الرد بالعيب فعلى هذا متى أخر المطالبة عن وقت العلم لغير عذر بطلت شفعته, وإن أخرها لعذر مثل أن يعلم ليلا فيؤخره إلى الصبح أو لشدة جوع أو عطش حتى يأكل ويشرب, أو لطهارة أو إغلاق باب أو ليخرج من الحمام أو ليؤذن ويقيم ويأتي بالصلاة وسننها, أو ليشهدها في جماعة يخاف فوتها لم تبطل شفعته لأن العادة تقديم هذه الحوائج على غيرها فلا يكون الاشتغال بها رضي بترك الشفعة, إلا أن يكون المشتري حاضرا عنده في هذه الأحوال فيمكنه أن يطالبه من غير اشتغاله عن أشغاله فإن شفعته تبطل بتركه المطالبة لأن هذا لا يشغله عنها, ولا تشغله المطالبة عنه فأما مع غيبته فلا لأن العادة تقديم هذه الحوائج فلم يلزمه تأخيرها كما لو أمكنه أن يسرع في مشيه, أو يحرك دابته فلم يفعل ومضى على حسب عادته, لم تسقط شفعته لأنه طلب بحكم العادة وإذا فرغ من حوائجه مضى على حسب عادته إلى المشتري فإذا لقيه بدأه بالسلام لأن ذلك السنة, وقد جاء في الحديث: (من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه) ثم يطالب وإن قال بعد السلام: بارك الله لك في صفقة يمينك أو دعا له بالمغفرة ونحو ذلك لم تبطل شفعته لأن ذلك يتصل بالسلام, فيكون من جملته والدعاء له بالبركة في الصفقة دعاء لنفسه لأن الشقص يرجع إليه فلا يكون ذلك رضي وإن اشتغل بكلام آخر, أو سكت لغير حاجة بطلت شفعته لما قدمنا. فإن أخبره بالبيع مخبر فصدقه, ولم يطالب بالشفعة بطلت شفعته سواء كان المخبر ممن يقبل خبره أو لا يقبل لأن العلم قد يحصل بخبر من لا يقبل خبره, لقرائن دالة على صدقه وإن قال: لم أصدقه وكان المخبر ممن يحكم بشهادته كرجلين عدلين بطلت شفعته لأن قولهما حجة تثبت بها الحقوق وإن كان ممن لا يعمل بقوله, كالفاسق والصبي لم تبطل شفعته وحكي عن أبي يوسف أنها تسقط لأنه خبر يعمل به في الشرع في الإذن في دخول الدار وشبهه, فسقطت به الشفعة كخبر العدل ولنا أنه خبر لا يقبل في الشرع, فأشبه قول الطفل والمجنون وإن أخبره رجل عدل أو مستور الحال سقطت شفعته ويحتمل أن لا تسقط ويروى هذا عن أبي حنيفة, وزفر لأن الواحد لا تقوم به البينة ولنا أنه خبر لا تعتبر فيه الشهادة فقبل من العدل, كالرواية والفتيا وسائر الأخبار الدينية وفارق الشهادة فإنه يحتاط لها باللفظ والمجلس وحضور المدعى عليه, وإنكاره ولأن الشهادة يعارضها إنكار المنكر وتوجب الحق عليه, بخلاف هذا الخبر والمرأة في ذلك كالرجل والعبد كالحر وقال القاضي: هما كالفاسق والصبي وهذا مذهب الشافعي لأن قولهما لا يثبت به حق ولنا أن هذا خبر وليس بشهادة, فاستوى فيه الرجل والمرأة والعبد والحر كالرواية والأخبار الدينية والعبد من أهل الشهادة فيما عدا الحدود والقصاص, وهذا مما عداها فأشبه الحر. إذا أظهر المشتري أن الثمن أكثر مما وقع العقد به فترك الشفيع الشفعة, لم تسقط الشفعة بذلك وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ومالك, إلا أنه قال بعد أن يحلف: ما سلمت الشفعة إلا لمكان الثمن الكثير وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له لأنه سلم ورضى ولنا أنه تركها للعذر فإنه لا يرضاه بالثمن الكثير ويرضاه بالقليل, وقد لا يكون معه الكثير فلم تسقط بذلك كما لو تركها لعدم العلم وكذلك إن أظهر أن المبيع سهام قليلة, فبانت كثيرة أو أظهر أنهما تبايعا بدنانير فبان أنها دراهم, أو بدراهم فبانت دنانير وبهذا قال الشافعي وزفر وقال أبو حنيفة وصاحباه: إن كانت قيمتهما سواء, سقطت الشفعة لأنهما كالجنس الواحد ولنا أنهما جنسان فأشبها الثياب والحيوان, ولأنه قد يملك بالنقد الذي وقع به البيع دون ما أظهره فيتركه لعدم ملكه له وكذلك إن أظهر أنه اشتراه بنقد فبان أنه اشتراه بعرض, أو بعرض فبان أنه بنقد أو بنوع من العرض فبان أنه بغيره أو اشتراه مشتر فبان أنه اشتراه لغيره, أو أظهر أنه اشتراه لغيره فبان أنه اشتراه له أو أنه اشتراه لإنسان فبان أنه اشتراه لغيره لأنه قد يرضى شركة إنسان دون غيره وقد يحابي إنسانا أو يخافه, فيترك لذلك وكذلك إن أظهر أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى نصفه بنصفه أو أنه اشترى نصفه بثمن فبان أنه اشترى جميعه بضعفه أو أنه اشترى الشقص وحده فبان أنه اشتراه هو أو غيره, أو أنه اشتراه هو وغيره فبان أنه اشتراه وحده لم تسقط الشفعة في جميع ذلك لأنه قد يكون له غرض فيما أبطنه دون ما أظهره فيترك لذلك, فلم تسقط شفعته كما لو أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أقل منه فأما إن أظهر أنه اشتراه بثمن فبان أنه اشتراه بأكثر أو أنه اشترى الكل بثمن فبان أنه اشترى به بعضه سقطت شفعته لأن الضرر فيما أبطنه أكثر, فإذا لم يرض به بالثمن القليل مع قلة ضرره فبالكثير أولى. وإن لقيه الشفيع في غير بلده فلم يطالبه وقال: إنما تركت المطالبة لأطالبه في البلد الذي فيه البيع, أو المبيع أو لآخذ الشقص في موضع الشفعة سقطت شفعته لأن ذلك ليس بعذر في ترك المطالبة فإنها لا تقف على تسليم الشقص ولا على حضور البلد الذي هو فيه وإن قال: نسيت, فلم أذكر المطالبة أو نسيت البيع سقطت شفعته لأنها خيار على الفور فإذا أخره نسيانا بطل كالرد بالعيب, وكما لو أمكنت المعتقة زوجها من وطئها نسيانا ويحتمل أن لا تسقط المطالبة لأنه تركها لعذر فأشبه ما لو تركها لعدم علمه بها وإن تركها جهلا باستحقاقه لها بطلت, كالرد بالعيب. وإذا قال الشفيع للمشتري: بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت شفعته لأنه يدل على رضاه بشرائه وتركه للشفعة وإن قال: صالحني على مال سقطت أيضا وقال القاضي: لا تسقط لأنه لم يرض بإسقاطها وإنما رضي بالمعاوضة عنها ولم تثبت المعاوضة, فبقيت الشفعة ولنا أنه رضي بتركها وطلب عوضها, فثبت الترك المرضي به ولم يثبت العوض كما لو قال: بعني فلم يبعه ولأن ترك المطالبة بها كاف في سقوطها فمع طلب عوضها أولى ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين فإن صالحه عنها بعوض, لم يصح وبه قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: يصح لأنه عوض عن إزالة ملك فجاز أخذ العوض عنه كتمليك امرأة أمرها ولنا أنه خيار لا يسقط إلى مال, فلم يجز أخذ العوض عنه كخيار الشرط ويبطل ما قاله بخيار الشرط وأما الخلع فهو معاوضة عما ملكه بعوض وها هنا بخلافه. وإن قال: آخذ نصف الشقص سقطت شفعته وبهذا قال محمد بن الحسن, وبعض أصحاب الشافعي وقال أبو يوسف: لا تسقط لأن طلبه ببعضها طلب بجميعها لكونها لا تتبعض ولا يجوز أخذ بعضها ولنا, أنه تارك لطلب بعضها فيسقط ويسقط باقيها لأنها لا تتبعض ولا يصح ما ذكره فإن طلب بعضها ليس بطلب لجميعها, وما لا يتبعض لا يثبت حتى يثبت السبب في جميعه كالنكاح ويخالف السقوط فإن الجميع يسقط بوجود السبب في بعضه كالطلاق والعتاق. وإن أخذ الشقص بثمن مغصوب, ففيه وجهان أحدهما لا تسقط شفعته لأنه بالعقد استحق الشقص بمثل ثمنه في الذمة فإذا عينه فيما لا يملكه, سقط التعيين وبقي الاستحقاق في الذمة فأشبه ما لو أخر الثمن, أو كما لو اشترى شيئا آخر ونقد فيه ثمنا مغصوبا والثاني تسقط شفعته لأن أخذه للشقص بما لا يصح أخذه به ترك له, وإعراض عنه فتسقط الشفعة كما لو ترك الطلب بها. ومن وجبت له الشفعة, فباع نصيبه عالما بذلك سقطت شفعته لأنه لم يبق له ملك يستحق به ولأن الشفعة ثبتت له لإزالة الضرر الحاصل بالشركة عنه, وقد زال ذلك ببيعه وإن باع بعضه ففيه وجهان أحدهما تسقط أيضا لأنها استحقت بجميعه, فإذا باع بعضه سقط ما تعلق بذلك من استحقاق الشفعة فيسقط باقيها لأنها لا تتبعض, فيسقط جميعها بسقوط بعضها كالنكاح والرق وكما لو عفا عن بعضها والثاني, لا تسقط لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد فكذلك إذا بقي وللمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني في المسألة الأولى وفي الثانية إذا قلنا بسقوط شفعة البائع الأول لأنه شريك في المبيع, وإن قلنا: لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني؟ فيه وجهان أحدهما له الشفعة لأنه شريك فإن الملك ثابت له يملك التصرف فيه بجميع التصرفات, ويستحق نماءه وفوائده واستحقاق الشفعة به من فوائده والثاني لا شفعة له لأن ملكه يوجد بها, فلا تؤخذ الشفعة به ولأن ملكه متزلزل ضعيف فلا يستحق الشفعة به لضعفه والأول أقيس فإن استحقاق أخذه منه لا يمنع أن يستحق به الشفعة, كالصداق قبل الدخول والشقص الموهوب للولد فعلى هذا للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يأخذ, وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين فأما إن باع الشفيع ملكه قبل علمه بالبيع الأول فقال القاضي: تسقط شفعته أيضا لما ذكرناه, ولأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه فصار كمن اشترى معيبا, فلم يعلم عيبه حتى زال أو حتى باعه فعلى هذا حكمه حكم ما لو باع مع علمه سواء فيما إذا باع جميعه أو بعضه وقال أبو الخطاب: لا تسقط شفعته لأنها ثبتت له ولم يوجد منه رضي بتركها, ولا ما يدل على إسقاطها والأصل بقاؤها فتبقى وفارق ما إذا علم فإن بيعه دليل على رضاه بتركها, فعلى هذا للبائع الثاني أخذ الشقص من المشتري الأول فإن عفا عنه, فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني وإن أخذ منه فهل للمشتري الأول الأخذ من الثاني؟ على وجهين. قال: [ومن كان غائبا, وعلم بالبيع في وقت قدومه فله الشفعة وإن طالت غيبته] وجملة ذلك أن الغائب له شفعة في قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن شريح, والحسن وعطاء وبه قال مالك والليث, والثوري والأوزاعي والشافعي, والعنبري وأصحاب الرأي وروي عن النخعي: ليس للغائب شفعة وبه قال الحارث العكلي والبتي, إلا للغائب القريب لأن إثبات الشفعة له يضر ب المشتري ويمنع من استقرار ملكه وتصرفه على حسب اختياره خوفا من أخذه, فلم يثبت ذلك كثبوته للحاضر على التراخي ولنا عموم (قوله عليه السلام: الشفعة فيما لم يقسم) وسائر الأحاديث ولأن الشفعة حق مالي وجد سببه بالنسبة إلى الغائب, فيثبت له كالإرث ولأنه شريك لم يعلم بالبيع, فتثبت له الشفعة عند علمه كالحاضر إذا كتم عنه البيع والغائب غيبة قريبة, وضرر المشتري يندفع بإيجاب القيمة له كما في الصور المذكورة إذا ثبت هذا فإنه إذا لم يعلم بالبيع إلا وقت قدومه, فله المطالبة وإن طالت غيبته لأن هذا الخيار يثبت لإزالة الضرر عن المال فتراخى الزمان قبل العلم به لا يسقطه كالرد بالعيب, ومتى علم فحكمه في المطالبة حكم الحاضر في أنه إن طالب على الفور استحق وإلا بطلت شفعته, وحكم المريض والمحبوس وسائر من لم يعلم البيع لعذر حكم الغائب لما ذكرنا. قال: [وإن علم وهو في السفر فلم يشهد على مطالبته فلا شفعة له] ظاهر هذا أنه متى علم الغائب بالبيع, وقدر على الإشهاد وعلى المطالبة فلم يفعل أن شفعته تسقط سواء قدر على التوكيل أو عجز عنه, أو سار عقيب العلم أو أقام وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب في الغائب: له الشفعة إذا بلغه أشهد, وإلا فليس له شيء وهو وجه للشافعي والوجه الآخر لا يحتاج إلى الإشهاد لأنه ثبت عذره فالظاهر أنه ترك الشفعة لذلك فقبل قوله فيه ولنا, أنه قد يترك الطلب للعذر وقد يتركه لغيره وقد يسير لطلب الشفعة, وقد يسير لغيره وقد قدر أن يبين ذلك بالإشهاد فإذا لم يفعل سقطت شفعته, كتارك الطلب مع حضوره وقال القاضي: إن سار عقيب علمه إلى البلد الذي فيه المشتري من غير إشهاد احتمل أن لا تبطل شفعته لأن ظاهر سيره أنه للطلب وهو قول أصحاب الرأي والعنبري, وقول للشافعي وقال أصحاب الرأي: له من الأجل بعد العلم قدر السير فإن مضي الأجل قبل أن يبعث أو يطلب بطلت شفعته وقال العنبري: له مسافة الطريق ذاهبا وجائيا لأن عذره في ترك الطلب ظاهر, فلم يحتج معه إلى الشهادة وقد ذكرنا وجه قول الخرقي ولا خلاف في أنه إذا عجز عن الإشهاد في سفره أن شفعته لا تسقط لأنه معذور في تركه فأشبه ما لو ترك الطلب لعذر أو لعدم العلم, ومتى قدر على الإشهاد فأخره كان كتأخير الطلب للشفعة إن كان لعذر لم تسقط الشفعة, وإن كان لغير عذر سقطت لأن الإشهاد قائم مقام الطلب ونائب عنه فيعتبر له ما يعتبر للطلب ومن لم يقدر إلا على إشهاد من لا تقبل شهادته, كالصبي والمرأة والفاسق فترك الإشهاد لم تسقط شفعته بتركه لأن قولهم غير معتبر, فلم يلزم إشهادهم كالأطفال والمجانين وإن لم يجد من يشهده إلا من لا يقدم معه إلى موضع المطالبة فلم يشهد فالأولى أن شفعته لا تبطل لأن إشهاده لا يفيد, فأشبه إشهاد من لا تقبل شهادته فإن لم يجد إلا مستوري الحال فلم يشهدهما احتمل أن تبطل شفعته لأن شهادتهما يمكن إثباتها بالتزكية, فأشبها العدلين ويحتمل أن لا تبطل لأنه يحتاج في إثبات شهادتهما إلى كلفة كثيرة وقد لا يقدر على ذلك, فلا تقبل شهادتهما وإن أشهدهما لم تبطل شفعته سواء قبلت شهادتهما أو لم تقبل لأنه لم يمكنه أكثر من ذلك, فأشبه العاجز عن الإشهاد وكذلك إن لم يقدر إلا على إشهاد واحد فأشهده أو ترك إشهاده. إذا أشهد على المطالبة, ثم أخر القدوم مع إمكانه فظاهر كلام الخرقي أن الشفعة بحالها وقال القاضي: تبطل شفعته وإن لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل في طلبها, فلم يفعل بطلت أيضا لأنه تارك للطلب بها مع قدرته عليه فسقطت, كالحاضر أو كما لو لم يشهد وهذا مذهب الشافعي إلا أن لهم فيما إذا قدر على التوكيل فلم يفعل وجهين أحدهما, لا تسقط شفعته لأن له غرضا بأن يطالب لنفسه لكونه أقوم بذلك أو يخاف الضرر من جهة وكيله بأن يقر عليه برشوة أو غير ذلك, فيلزمه إقراره فكان معذورا ولنا أن عليه في السفر ضررا, لالتزامه كلفته وقد يكون له حوائج وتجارة ينقطع عنها وتضيع بغيبته, والتوكيل إن كان بجعل لزمه غرم وإن كان بغير جعل لزمته منة ويخاف الضرر من جهته فاكتفى بالإشهاد فأما إن ترك السفر, لعجزه عنه أو لضرر يلحقه فيه لم تبطل شفعته, وجها واحدا لأنه معذور فأشبه من لم يعلم وإن لم يقدر على الإشهاد وأمكنه السفر أو التوكيل, فلم يفعل بطلت شفعته لأنه تارك للطلب بها مع إمكانه من غير وجود ما يقوم مقام الطلب, فسقطت كما لو كان حاضرًا. ومن كان مريضا مرضا لا يمنع المطالبة كالصداع اليسير, والألم القليل فهو كالصحيح وإن كان مرضا يمنع المطالبة كالحمى وأشباهها, فهو كالغائب في الإشهاد والتوكيل وأما المحبوس فإن كان محبوسا ظلما أو بدين لا يمكنه أداؤه فهو كالمريض, وإن كان محبوسا بحق يلزمه أداؤه وهو قادر عليه فهو كالمطلق, إن لم يبادر إلى المطالبة ولم يوكل فيها بطلت شفعته لأنه تركها مع القدرة عليها. قال: [فإن لم يعلم حتى تبايع ذلك ثلاثة أو أكثر, كان له أن يطالب بالشفعة من شاء منهم فإن طالب الأول رجع الثاني بالثمن الذي أخذ منه, والثالث على الثاني] وجملة ذلك أن المشتري إذا تصرف في المبيع قبل أخذ الشفيع أو قبل علمه, فتصرفه صحيح لأنه ملكه وصح قبضه له ولم يبق إلا أن الشفيع ملك أن يتملكه عليه, وذلك لا يمنع من تصرفه كما لو كان أحد العوضين في البيع معيبا لم يمنع التصرف في الآخر, والموهوب له يجوز له التصرف في الهبة وإن كان الواهب ممن له الرجوع فيه فمتى تصرف فيه تصرفا صحيحا تجب به الشفعة مثل أن باعه, فالشفيع بالخيار إن شاء فسخ البيع الثاني وأخذه بالبيع الأول بثمنه لأن الشفعة وجبت له قبل تصرف المشتري وإن شاء أمضى تصرفه وأخذ بالشفعة من المشتري الثاني لأنه شفيع في العقدين, فكان له الأخذ بما شاء منهما وإن تبايع ذلك ثلاثة فله أن يأخذ المبيع بالبيع الأول وينفسخ العقدان الأخيران, وله أن يأخذه بالثاني وينفسخ الثالث وحده وله أن يأخذه بالثالث, ولا ينفسخ شيء من العقود فإذا أخذه من الثالث دفع إليه الثمن الذي اشترى به, ولم يرجع على أحد لأنه وصل إليه الثمن الذي اشترى به وإن أخذ من الثاني الثمن دفع إليه الذي اشترى به ورجع الثالث عليه بما أعطاه لأنه قد انفسخ عقده, وأخذ الشقص منه فيرجع بثمنه على الثاني لأنه أخذه منه وإن أخذ بالبيع الأول, دفع إلى المشتري الأول الثمن الذي اشترى به وانفسخ عقد الآخرين ورجع الثالث على الثاني بما أعطاه, ورجع الثاني على الأول بما أعطاه فإذا كان الأول اشتراه بعشرة ثم اشتراه الثاني بعشرين, ثم اشتراه الثالث بثلاثين فأخذه بالبيع الأول دفع إلى الأول عشرة, وأخذ الثاني من الأول عشرين وأخذ الثالث من الثاني ثلاثين لأن الشقص إنما يؤخذ من الثالث لكونه في يده وقد انفسخ عقده, فيرجع بثمنه الذي ورثه ولا نعلم في هذا خلافا وبه يقول مالك والشافعي والعنبري, وأصحاب الرأي وما كان في معنى البيع مما تجب به الشفعة فهو كالبيع فيما ذكرنا, وما كان مما لا تجب به الشفعة فهو كالهبة والوقف على ما سنذكره ـ إن شاء الله تعالى ـ . فإن جعله صداقا أو عوضا في خلع أو صلح عن دم عمد انبنى ذلك على الوجهين في الأخذ بالشفعة: فإن قايل البائع المشتري, أو رده عليه بعيب فللشفيع فسخ الإقالة والرد والأخذ بالشفعة لأن حقه سابق عليهما, ولا يمكنه الأخذ معهما وإن تحالفا على الثمن وفسخا البيع فللشفيع أن يأخذ الشقص بما حلف عليه البائع لأن البائع مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه, ومقر للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك فإذا بطل حق المشتري بإنكاره لم يبطل حق الشفيع بذلك, وله أن يبطل فسخهما ويأخذ لأن حقه أسبق. وإن اشترى شقصا بعبد ثم وجد بائع الشقص بالعبد عيبا فله رد العبد واسترجاع الشقص, ويقدم على حق الشفيع لأن في تقديم حق الشفيع إضرارا بالبائع بإسقاط حقه في الفسخ الذي استحقه والشفعة تثبت لإزالة الضرر, فلا تثبت على وجه يحصل بها الضرر فإن الضرر لا يزال بالضرر وقال أصحاب الشافعي في أحد الوجهين: يقدم حق الشفيع لأن حقه أسبق, فوجب تقديمه كما لو وجد المشتري بالشقص عيبا فرده ولنا أن في الشفعة إبطال حق البائع, وحقه أسبق لأنه استند إلى وجود العيب وهو موجود حال البيع والشفعة ثبتت بالبيع, فكان حق البائع سابقا وفي الشفعة إبطاله فلم تثبت, ويفارق ما إذا كان الشقص معيبا فإن حق المشتري إنما هو في استرجاع الثمن وقد حصل له من الشفيع, فلا فائدة في الرد وفي مسألتنا حق البائع في استرجاع الشقص ولا يحصل ذلك مع الأخذ بالشفعة, فافترقا فإن لم يرد البائع العبد المعيب حتى أخذ الشفيع كان له رد العبد ولم يملك استرجاع المبيع لأن الشفيع ملكه بالأخذ, فلم يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لأجنبي فإن الشفعة بيع في الحقيقة, ولكن يرجع بقيمة الشقص لأنه بمنزلة التالف و المشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فهل يترجعان؟ فيه وجهان أحدهما, لا يتراجعان لأن الشفيع أخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد وهو قيمة العبد صحيحا لا عيب فيه بدليل أن البائع إذا علم بالعيب ملك رده ويحتمل أن يأخذه بقيمته معيبا لأنه إنما أعطى عبدا معيبا, فلا يأخذ قيمة غير ما أعطى والثاني يتراجعان لأن الشفيع إنما يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد والذي استقر عليه العقد قيمة الشقص, فإذا قلنا: يتراجعان فأيهما كان ما دفعه أكثر رجع بالفضل على صاحبه وإن لم يرد البائع العبد, ولكن أخذ أرشه لم يرجع المشتري على الشفيع بشيء لأنه إنما دفع إليه قيمة العبد غير معيب وإن أدى قيمته معيبا رجع المشتري عليه بما أدى من أرشه وإن عفا عنه, ولم يأخذ أرشا لم يرجع الشفيع عليه بشيء لأن البيع لازم من جهة المشتري لا يملك فسخه, فأشبه ما لو حط عنه بعض الثمن بعد لزوم العقد وإن عاد الشقص إلى المشتري ببيع أو هبة أو إرث أو غيره فليس للبائع أخذه بالبيع الأول لأن ملك المشتري زال عنه, وانقطع حقه منه وانتقل حقه إلى القيمة فإذا أخذها لم يبق له بخلاف ما لو غصب شيئا لم يقدر على رده, فأدى قيمته ثم قدر عليه فإنه يرده لأن ملك المغصوب لم يزل عنه. ولو كان ثمن الشقص مكيلا أو موزونا, فتلف قبل قبضه بطل البيع وبطلت الشفعة لأنه تعذر التسليم, فتعذر إمضاء العقد فلم تثبت الشفعة كما لو فسخ البيع في مدة الخيار, بخلاف الإقالة والرد بالعيب وإن كان الشفيع قد أخذ الشقص فهو كما لو أخذه في المسألة التي قبلها لأن لمشتري الشقص التصرف فيه قبل تقبيض ثمنه فأشبه ما لو اشتراه منه أجنبي. وإن اشترى شقصا بعبد أو ثمن معين, فخرج مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة فيه لأنها إنما تثبت في عقد ينقل الملك إلى المشتري, وهو العقد الصحيح فأما الباطل فوجوده كعدمه فإن كان الشفيع قد أخذ بالشفعة لزمه رد ما أخذ على البائع, ولا يثبت ذلك إلا ببينة أو إقرار من الشفيع والمتبايعين فإن أقر المتبايعان وأنكر الشفيع لم يقبل قولهما عليه, وله الأخذ بالشفعة ويرد العبد على صاحبه ويرجع البائع على المشتري بقيمة الشقص وإن أقر الشفيع و المشتري دون البائع, لم تثبت الشفعة ووجب على المشتري رد قيمة العبد على صاحبه ويبقى الشقص معه يزعم أنه للبائع, والبائع ينكره ويدعي عليه وجوب رد العبد والبائع ينكره, فيشتري الشقص منه ويتبارآن وإن أقر الشفيع والبائع وأنكر المشتري وجب على البائع رد العبد على صاحبه, ولم تثبت الشفعة ولم يملك البائع مطالبة المشتري بشيء لأن البيع صحيح في الظاهر وقد أدى ثمنه الذي هو ملكه في الظاهر وإن أقر الشفيع وحده, لم تثبت الشفعة ولا يثبت شيء من أحكام البطلان في حق المتبايعين فأما إن اشترى الشقص بثمن في الذمة ثم نفد الثمن فبان مستحقا, كانت الشفعة واجبة لأن البيع صحيح فإن تعذر قبض الثمن من المشتري لإعساره أو غيره فللبائع فسخ البيع, ويقدم حق الشفيع لأن الأخذ بها يحصل للمشتري ما يوفيه ثمنا فتزول عسرته ويحصل الجمع بين الحقين, فكان أولى. وإذا وجبت الشفعة وقضى القاضي بها والشقص في يد البائع, ودفع الثمن إلى المشتري فقال البائع للشفيع: أقلني فأقاله لم تصح الإقالة لأنها تصح بين المتبايعين, وليس بين الشفيع والبائع بيع وإنما هو مشتر من المشتري فإن باعه إياه صح البيع لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه. قال: [وللصغير إذا كبر المطالبة بالشفعة] وجملة ذلك, أنه إذا بيع في شركة الصغير شقص ثبتت له الشفعة في قول عامة الفقهاء, منهم الحسن وعطاء ومالك, والأوزاعي والشافعي وسوار, والعنبري وأصحاب الرأي وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة له وروى ذلك عن النخعي والحارث العكلي لأن الصبي لا يمكنه الأخذ, ولا يمكن انتظاره حتى يبلغ لما فيه من الإضرار ب المشتري وليس للولي الأخذ لأن من لا يملك العفو لا يملك الأخذ ولنا عموم الأحاديث, ولأنه خيار جعل لإزالة الضرر عن المال فيثبت في حق الصبي كخيار الرد بالعيب وقولهم: لا يمكن الأخذ غير صحيح فإن الولي يأخذ بها كما يرد المعيب قولهم: لا يمكنه العفو يبطل بالوكيل فيه, وبالرد بالعيب فإن ولي الصبي لا يمكنه العفو ويمكنه الرد ولأن في الأخذ تحصيلا للملك للصبي, ونظرا له وفي العفو تضييع وتفريط في حقه ولا يلزم من ملك ما فيه الحظ ملك ما فيه تضييع, ولأن العفو إسقاط لحقه والأخذ استيفاء له ولا يلزم من ملك الولي استيفاء حق المولى عليه, ملك إسقاطه بدليل سائر حقوقه وديونه وإن لم يأخذ الولي انتظر بلوغ الصبي, كما ينتظر قدوم الغائب وما ذكروه من الضرر في الانتظار يبطل بالغائب إذا ثبت هذا فإن ظاهر قول الخرقي, أن للصغير إذا كبر الأخذ بها سواء عفا عنها الولي أو لم يعف وسواء كان الحظ في الأخذ بها, أو في تركها وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور: له الشفعة إذا بلغ فاختار ولم يفرق وهذا قول الأوزاعي وزفر, ومحمد بن الحسن وحكاه بعض أصحاب الشافعي عنه لأن المستحق للشفعة يملك الأخذ بها سواء كان له الحظ فيها أو لم يكن, فلم يسقط بترك غيره كالغائب إذا ترك وكيله الأخذ بها وقال أبو عبد الله بن حامد: إن تركها الولي لحظ الصبي أو لأنه ليس للصبي ما يأخذها به, سقطت وهذا ظاهر مذهب الشافعي لأن الولي فعل ما له فعله فلم يجز للصبي نقضه كالرد بالعيب, ولأنه فعل ما فيه الحظ للصبي فصح كالأخذ مع الحظ وإن تركها لغير ذلك, لم تسقط وقال أبو حنيفة: تسقط بعفو الولي عنها في الحالين لأن من ملك الأخذ بها ملك العفو عنها كالمالك وخالفه صاحباه في هذا لأنه أسقط حقا للمولي عليه لا حظ له في إسقاطه, فلم يصح كالإبراء وإسقاط خيار الرد بالعيب ولا يصح قياس الولي على المالك لأن للمالك التبرع والإبراء وما لا حظ له فيه بخلاف الولي.
|